لقد كان لحركة القومين العرب ولثورة مصر وعبد الناصر ولحركة التحرر الوطني المنادية بالتحرر من الاستعمار ومن الأنظمة الدكتاتورية الموالية للاستعمار ولشعاراتها التي رفعتها دورا كبيرا في أيقاظ الشعور الوطني والقومي وفي تشكل وقيام تلك الثورات التي رفعة شعارات الحرية والقومية والاشتراكية وشكل المعسكر الاشتراكي المعادي للاستعمار وللمعسكر الغربي نصيرا وداعما رئيسيا لتلك الثورات والحركات التحررية وتأثره الكثير من البلدان والشعوب المستعمرة بتلك الشعارات التي ألهبت حماس تلك الشعوب للتخلص من الاستعمار وبناءأنظمتها الوطنية ولذلك فقد كان لتلك الأفكار القومية والاشتراكية تأثير مباشر وقوي في نهج وسياسة دولة الجنوب السابقة التي تشكلت بعد الاستقلال عام 67م والتي تبنه التوجه الاشتراكي والانحياز الكامل للمعسكر الاشتراكي ولذلك فأننا عندما نقيم تلك المرحلة علينا إن ننظر إليها ونقيمها كما كانت عليه في ظروفها وأوضاعها المحلية والعالمية حينها وليس من منظور اليوم ومتغيراته وإذا كان لتلك الثورات والا نظمة من اخطاء وسلبيات وهي موجودة بالفعل إلا أن تلك الثورات قد استطاعة إن تستنهض شعوبها للتحرر من الاستعمار ورأت فيها تلك الشعوب طريق خلاصها وحريتها .
لقد كان لتلك التجربة ولذلك الفكر إضرار قاتلة وخطيرة تمثلت في القفز عن الواقع وتبني أفكار ونظريات تتنافي مع ديننا وواقعنا العربي الإسلامي وفي تلك السياسيات التي ألحقت إضرار جسمية بالنسيج الوطني الجنوبي وتحالفاته وفي البنية الاجتماعية والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وضربت واستبعدت الكثير من القوى الوطنية التي كان يفترض الاستفادة منها وإشراكها في إدارية البلاد وانفردت الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي في إدارة شؤون البلد وفرض بالقوة نهجه وسياساته وقمع كل من عارض أو يتعارض مع سياسته ونهجه وخلقت وخلفت لنا تلك الممارسات جروح وصعوبات لازالت أثارها باقية إلى اليوم وكان لها اثر كبير على تطور الجنوب وأضرت بالنسيج الاجتماعي وصاحب تلك المرحلة نوع من التطرف والحماس والعفوية والمزايدات والشطحات والتقليد والانقياد الأعمى للخارج الخ .. إلا إن تلك المرحلة كانت لها ظروفها وأسبابها ، أما اليوم فقد تغير الواقع وغير الحزب نهجه وسلوكه وأعترف الحزب وقياداته بتلك الأخطاء والممارسات ونقدوها وانتهت الاشتراكية في عقر دارها وأصبح اليوم والحمد لله الغالبية من أعضاء الحزب في مقدمة صفوف المصليين وكما كان لتلك المرحلة أخطاءها كان لها ايجابياتها فقد استطاع الحزب ودولة الجنوب الجديدة إن يوحد كل المشيحات والسلطنات في أطار دولة مركزية واخضع الكل لنظام وسيطرة الدولة وقضى على كل الفتن والثارات وإنشاء فروع لمؤسسات الدولة الجديدة في كل منطقة وقرية وأشرك الشعب في إدارة شؤونهم من خلال المنظمات الحزبية والشبابية والعمالية والفلاحة والنسائية ولجان الدفاع بالإضافة إلى انخراط الآلاف في وظائف الدولة المختلفة وادخل التعليم الحديث إلى مناطق الأرياف والصحة المجانية بعد إن كانت محرومة من ابسط الخدمات وضبط الأمن والأسعار وأنشاء جهاز متكامل للرقابة والمحاسبة وقضي تماما على الفوضى والفساد والرشوة والسرقة وطبق مبدأ الثواب والعقاب وتعلم الآلاف من أبناء الأرياف في مختلف الجامعات بالداخل والخارج وتحرر الشعب من الأمية وبناء جيش وامن قوي وبسط القانون سلطته ونفوذه الخ . وشهده مرحلة حكمة نقلة نوعية في العلاقات والحياة والعلم والصحة والأمن والطرق والكهرباء وغيرها من الخدمات واستطاعة الدولة إن تعتمد على نفسها برغم إمكانياتها المحدودة ومحاربتها في إطار الصراع العالمي .
إن تقييمنا ونقدنا اليوم لتلك السياسات وممارسات الحزب (( التي انتقدها الحزب نفسه وغير من سياساته ونهجه وسلوكه )) ليس بغرض التشفي ولا بغرض إن ننصب المشانق ونحاكم الناس ولكن لكي يتعلم ويتعظ الجيل الجديد من تلك الأخطاء والممارسات إلا انه مع الأسف بدلاً إن يحذر من تلك الممارسات أخذ يستفيد منها في كيفية التفنن في محاربة وأقصى الأخر وعادة هذه العقلية والثقافة تستنسخ نفسها بشكل أفظع والعن واخطر من تلك التي عانينا منها في الماضي حتى صار المرء يشك إن هذا المرض قد أصبح وراثي المنشئ وقدر على الجنوبيين .
إن ما نلمسه اليوم من سلوك وممارسات ومن نقاشات وكتابات في الكثير من المواقع الجنوبية التي يفترض إن تكون لسان وحال الجنوب تعرف العالم بمعانات شعبنا وعدالة قضيتنا قد أصبحت هذه الأقلام والمواقع تسل سيوفها وتستخدم ذكائها وخبراتها ومهارتها للتفنن في تقطيع أوصال الجنوبيين والشتم هذا وتخوين هذا وتكفير ذاك وصار شغل وجهد البعض يسخر لجلد الذات الجنوبية والتقطيع أوصالنا ولتنفيذ مخططات نظام صنعاء الرامية لتمزيق الجنوبيين وإجهاض الحراك السلمي وللحيلولة دون وحدة وتماسك الجنوبيين لذا إن أي عمل يستهدف تقسيم الجنوبيين يخسرنا كثيرا ويؤخر ويعرقل نضالنا ولا يخدم إلا نظام صنعا وهو مادة إعلامية قوية لتشويه نضالنا السلمي ولتخويف الناس وتذكيرهم بالصراعات الماضية وتكرارها وبالفعل حققنا نحن لنظام صنعاء ماعجزة عن تحقيقه أجهزته العسكرية والإعلامية وما عجز عن تحقيقه بالمال والقمع والإرهاب .
إن أي نقاش يضر بالجنوب والجنوبيين من أي كائناً من كان مرفوض تماما فهو لا يخدم إلا أعدائنا ولذلك فان تلك الحملات أو الأطروحات التي تدور اليوم بين تاج والحزب الاشتراكي أكان في دعوات أصحاب تاج المنادية بإلغاء ومحاربة الحزب الاشتراكي وتكفيره واجتثاثه ومحاسبة أعضاءه أو في أطروحات الاشتراكين التي تتهم أصحاب تاج بالعمالة لسلطة نظام صنعاء والتقليل من مكانتهم ودورهم وإلغائهم ونحن هنا لا نبري احد ولا نقبل مثل هذه الأطروحات التي تضر بقضية ومستقبل أبناء الجنوب وفي تحالفات الناس ووحدتهم ولا يمكن أبدا إن نقبل أو نسمح لمن يعيد تقسمنا من جديد ولن نقبل إن نتمرس خلف هذا أو ذاك إلا خلف الجنوب وبكل أبناء الجنوب ولا يمكن إن نستغني أو نخسر أي جنوبي ونقدمه لنظام صنعاء أي جنوبي وان التقليل من أي مكون أو حزب أو منظمة أو مجموعة وسياسة وثقافة الإلغاء والتخوين والانفراد والتفرد والتشطيب على الآخرين امرأ مرفوض عانينا منه ودفعنا ثمننا باهظاً لتلك الممارسات ولا نريد إن نكرر تجربة الجبهة القومية وجبهة التحرير ودورات ودوامات الصراعات التي مرينا بها واكتوينا بلهيبها .
إن الطرح المنادي بتكفير الحزب واجتثاثه ومحاسبته امرأ في غاية الخطورة لان مثل هذه الدعوات التي تستهدف هذا الحزب أو ذاك أو هذه المنطقة أو تلك هي دعوات للفتنة وللحرب تستهدف تمزيق النسيج الوطني الجنوبي والقضاء على قضيته العادلة وتقديم الجنوب على طبق من ذهب لنظام صنعاء وإلى الأبد .
إن الحديث عن الحزب هو الحديث عن جيل كامل لفترة زمنية معينه فلو أخذنا على سبيل المثال قيادات ونشطاء الحراك ستجد إن الغالبية منهم إما لازالوا أعضاء في الحزب الاشتراكي أو كانوا في الحزب أو من مناصريه وكوادره التي رباها ودرسها ويمكن القول إن الحزب الاشتراكي من أكثر الأحزاب على صعيد الجنوب الذي يمتلك كادر دولة من مختلف التخصصات ولا ننسئ إن أول من حرك الشارع الجنوبي كحركة منظمة شملت الجنوب كله هي جمعية المتقاعدين العسكريين أي كوادر وقادة الحزب كما إن الحزب الاشتراكي لازال رسميا وعالميا حزب معترف فيه وما استقبال أمين عام الحزب في الصين استقبال رسمي كرئيس دولة إلا خير دليل على مكانة هذا الحزب لذا دعونا نتعامل مع الواقع والحقائق كما هي لا كما نريد.
إن الطرح الذي يقلل من مكانة ودور الإخوة في تاج واتهامهم بالعمالة هو الأخر طرح مرفوض فلقد لعبة تاج ولازالت دور لا يستهان فيه على صعيد تبني القضية الجنوبية في الخارج وكانت من أول المنادين بالاستقلال ولذا فان التشطيب على نضال الناس ومصادرته هو الأخر امرأ مرفوض ولا يمكن لأحد إن يقبله ولذلك علينا إن نقر ونتعامل هذه الأحزاب والمكونات كأمر واقع أعجبتنا أم لم تعجبنا أكانت مع مشروع الاستقلال أو مع الفدرالية أو مع الوحدة الخ .... لان نكرانها ورفضها في ظل التلويح بتكفير وتخوين البعض سيحولنا إلا إن نتصارع بيننا البين كما هو حاصل في العراق وفلسطين والصومال وغيرها ولذا لا يمكن ولا يوجد أي حل إلا إن تتعايش هذه القوى والأحزاب مع بعضها البعض وان يقبل كل منا الأخر كما هو .
إن إي نقاش أو عمل أو سلوك من هذا النوع ينخر في الجسد الجنوب إفراد أو أحزاب أو يتوهنا عن قضيتنا الرئيسية أو يخلق لنا أعداء غير نظام صنعاء أو يستفز أبناء الشمال وأحزابهم أو أي جنوبي ويضعف التحالف الجنوبي أو يقدم مادة لنظام صنعاء وإعلامه أو أي عمل يستهدف تشويه نضالنا السلمي ويلصق به تلك الأعمال التي تتنافي مع ديننا وأخلاقنا كل تلك الأعمال لا تخدم إلا نظام صنعاء .
الخلاصة:
لقد مر الجنوب والجنوبيين بتجارب مريرة باهظة الكلفة كافية وكفيلة لان يتعلم منها وان يؤخذ منها الدروس والعبر وتأتي في مقدمة تلك التجارب :
تجربة الجبهة القومية وصراعها مع جبهة التحرير الذي وصل إلى المواجهة المسلحة لما عرف بالحرب الأهلية قبيل الاستقلال وكذا إقصائها لحزب الشعب والرابطة والسلاطين وغيرهم من القوى الأخرى وانفراد الجبهة القومية بالسلطة وما تلا ذلك من سياسة الحزب الشمولي وعدم السماح للقوى الأخرى بالمشاركة السياسية وتحويلهم إلى جانب القوى المعادية للنظام الجديد .
إما التجربة الأخرى التي ينبغي إن نتعلم هي إن الطرف المنتصر في إحداث 13 يناير وما نتج عنها من تصدع وانقسام في الوحدة الجنوبية وذهاب الجناح المنتصر ليمد يده للتوحد والعمل مع الشماليين الذي يختلف معهم في الفكر والثقافة والسياسة بينما كان الأولى فبل إن يتوحد مع الشمال إن يمد يده لإخوانه الجنوبيين وان يوحد البيت الجنوبي أولا وهو الأمر الذي أدى بنظام صنعاء إلى كسب واستمالة القوى الجنوبية المعارضة مما حدي بها في حرب 94م للوقف والقتال مع سلطة صنعاء ضد إخوانهم الجنوبيين وبالفعل استطاع نظام صنعاء إن يوظف هذه الورقة ويلعب بها جيدا ولازال حتى يومنا يوظف هذه الأوراق المتعلقة بخلافات وصراعات الجنوبيين في ظل عدم فهم واستيعاب الجنوبيين الذين اثبتوا أنهم مع الأسف لم يتعلموا من تلك الإخفاقات والدروس وما يجري اليوم في المشهد السياسي الجنوبي هو تكرار لتلك السياسيات والممارسات من خلال استحضار خلافات الماضي وخلق وافتعال خلافات جديدة لا تجد لبعضها أي تفسير تتمثل في تلك الحملات والمشاحنات وتخوين وتكفير وإلغاء وإقصاء للجنوبيين بعضهم بعض وبالذات تلك الحملات التي تستهدف الحزب الاشتراكي أو تاج والهيئة الوطنية والمجلس الوطني والمجلس الأعلى للحراك السلمي وغيرها والتي وصلت إلى حد التكفير والاتهام بالعمالة الخ ..
ويبقى السؤال هل تعلم الجنوبيين من تجارب الماضي بدءاً من صراع الجبهة القومية وجبهة التحرير ومروراً بأحداث قحطان وسالمين و13 يناير وأخيرا حرب 94م ؟
وهل يتعظ الجنوبيين من ما جرى ويجري في أفغانستان والصومال والعراق وفلسطين وغيرها من البلدان التي طحنتها وضيعتها الصراعات الحزبية والطائفية ؟؟
أم إن التاريخ يعيد نفسه وان غير ثوبه واختلفت أدواته وتسمياته وناسه ؟
20 / 9 / 2010 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق