يبدو أن قدر الجنوبيين أن كتب عليهم ومنذ الاستقلال عام 67م بالتمزق والشقاء ،وبالتناحر العبثي والتنافس غير الشريف وبأيادي جنوبية جنوبية تنهش بعضها الأخرى وتدين بعضها البعض وتتفنن في جلد الذات وفي خلق شماعات لتبرير وتمرير الآلام والانكسارات وكل هذا جرى ويجري إما لنوازع خاصة ذاتية محضة أو لإرضاء وخدمة أجندات خارجية ،، ودفع الجنوبيين لهذا الشقاء والضياع والتخبط والصراع فواتير باهظة ومكلفة من حياتهم وأمنهم واستقرارهم ، ولا نزال نكرر مع الأسف الأخطاء والخطايا ونثخن في الجراح وفي تقطيع أوصال بعضنا البعض وبتلذذ وبإصرار لإعادة إنتاج وتكرار للماضي بكل مآسيه دون أن نتعظ أو نتعلم من دروسه ودون من صحوة وعي وضمير وطني وكأنه حكم على الجنوبيين أن يبقوا مشدودين وحبيسين ليس لثقافة الماضي بل ولشخوصها .
إن تجربة قرابة نصف قرن من التاريخ السياسي الجنوبي وتحديداً منذ الاستقلال (( وبرغم تلك الايجابيات والانجازات التي تحققت والتي لسنا بصدد الحديث عنها)) تبين لنا خطورة تلك الأخطاء القاتلة والخطايا الجسيمة في السياسة والممارسة التي تبرهن أن قيادات الجنوب لم تكن في مستوى من المسئولية والكفاءة في إدارة الجنوب وأزماته وفي المحافظة عليه بل كانت سببا رئيسيا لتلك الأزمات والصراعات الجنوبية الجنوبية،، وفي جهل قيادة الجنوب في قراءة وتقييم وفهم الأوضاع الحقيقية للشمال ونواياهم الحقيقية تجاه الجنوب لتقدم الجنوب مع الأسف على طبق من ذهب وتتسبب فيما يعانيه شعبنا اليوم ولنفس الأسباب فشلت كذلك في الخروج من الوحدة في صيف حرب 94م وأخفقت في قيادة وإدارة الحراك الجنوبي بل كانت هي سببا رئيسيا في إضعاف الحراك وتمزقه وتخبطه ، ومضاعفة مشاكله وخلافاته وهي اليوم تكرر وبنفس العقلية السياسية العاطفية وبنفس الآلية تقييمها وقراءاتها الخاطئة لتطورات الأوضاع والأحداث الداخلية والخارجية وموازين القوى والمصالح والتحالفات الإستراتيجية للجنوبيين وفي كيفية التعاطي مع هذه الأحداث والخروج من هذا الوضع وفي كيفية حل القضية الجنوبية وفي التعاطي معها والتي تثبت الشواهد أن هذه القيادة مع الأسف وبإصرار تحاول أن تدير أزمات ومشاكل الجنوب بتلك السياسة والعقلية التي أثبتت التجربة فشلها وبشعارات السبعينيات .
وعلينا أن نعترف أن هذه العقلية وهذه الثقافة قد قسمت الجنوبيين وحكمت عليهم أن يظلوا أسيري خلافاتهم وصراعاتهم الغير مبررة والغير مقبولة ابتدأ بصراع بالجبهة القومية وجبهة التحرير الذي انتهى بإقصاء جبهة التحرير ،، ثم أصحاب الرئيس قحطان الشعبي وأصحاب عبد الفتاح وسالمين والذي انتهى بإقصاء الرئيس قحطان وفريقه ،، ثم فريق الرئيس سالمين وفريق عبد الفتاح انتهى بقتل سالمين وإزاحة فريقه ،، ثم فريق الرئيس علي ناصر وفريق علي عنتر وعبد الفتاح الذي انتهى بإزاحة فريق الرئيس علي ناصر,, وهكذا يستمر ويتكرر نفس المشهد اليوم على صعيد الحراك الجنوبي السلمي من تقسيم الحراك والجنوبيين خلف فريقين رئيسيين فريق الرئيس البيض وفريق الرئيس علي ناصر والرئيس العطاس وتحت نفس الشماعات واليافطات القديمة التي فرقت الجنوبيين وان اختلفت تسمياتها اليوم بقوى الاستقلال وأصحاب الفدرالية الخ ،، مع الإشارة إلى أن الفارق بين الأمس واليوم هو أن خلافات الأمس كنا نمتلك وطن ونتصارع على سلطة لكن اليوم مع الأسف نتصارع ونحن جميعا في الشارع وعلى قارعة الطريق والجنوب كله أرضاً وأنسانا يرزح تحت الاحتلال والاستعباد ويمزق ويقطع أوصاله بينما نتفنن نحن مع الأسف في خلق الأعذار والمبررات لتقطيع أوصال بعضنا وينهش كلا منا في لحم الأخر غير مكترثين ولا مبالين لا في جراح وألام الشعب الجنوبي ولا فيما يتهدد الجنوب من مخاطر وتحديات تتطلب تكاتف الجميع وتناسي خلافاتنا وتتطلب فعلا التجسيد العملي لعملية التسامح والتصالح وتتطلب أدارة سياسية جنوبية في مستوى المسؤولية ومواجهة هذه التحديات والمخاطر ..
ولذلك وبسبب هذا المرض العضال المتمثل في الذات الجنوبية فشلت كل الجهود الخيرة والمساعي الجنوبية لتلك اللقاءات والاجتماعات والمحاولات والحوارات والتي كان أخر تلك المحاولات والمراهنات لقاء بيروت 25و26 ديسمبر 2011م ليسجلوا فيه قادة الجنوب أنهم اتفقوا على إن لا يتفقوا .
كلمة أخيرة نقولها بصدق ومحبة لقياداتنا التاريخية ولكل القيادات القديمة بل ولكل القيادات الجديدة المشدودة بالماضي وثقافة الإلغاء والتخوين والتكفير والتي لا تستطيع أن توحد الجنوبيين وان تنتهج نهج التصالح والتسامح وان تضع مصالح الجنوب العليا فوق خلافاتها وذاتيتها ولمن لا يستطيع أن يتعامل ويتعاط مع الجنوب الجديد بعقل جديد وثقافة جديدة نقول لهم جميعا أننا نحترمكم ونقدركم ولأننا نحبكم نقول لكم تنحوا جانبا وأفسحوا الطريق لشباب الجنوب المثقف المتعلم لان يقود نفسه بنفسه وان يرسم ويصنع مستقبله بيده ويتحمل مسؤوليته التاريخية الكبيرة بجد ومصداقية وإخلاص وساعدوهم وكونوا عونا لهم لأننا حقيقة ولمصلحة الجنوب نريد قيادة توحدنا ,, قيادة تنشغل وتتفرغ لمشاكل وهموم الجنوب وقضيته العادلة,, لا أن تشغل الجنوبيين بمشاكلها وخلافاتها مع احترامنا وتقديرنا للجميع .
الخلاصة:
إن المطلوب اليوم وليس غدا كمهمة عاجلة لا تحتمل التأجيل سرعة الأعداد والتحضير لعد مؤتمر وطني جنوبي في الداخل لا يستثني احد لقيام الجبهة الوطنية المتحدة ولتشكيل مجلس وطني جنوبي يمثل الجنوب ويقود نضاله ويوحد كل الجنوبيين وإمكانياتهم خلفه من اجل تحقيق طموحات وتطلعات الشعب الجنوبي في استعادة حريته وصنع مستقبله .
2 يناير 2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق