كانت ولازالت قضية الذات الجنوبية هي الداء الذي فتك ويفتك بالجنوبيين خلال تجربتهم الطويلة منذ عام 67م الى يومنا هذا وهو المرض العضال الذي لم تستطيع القيادات الجنوبية معالجته والتخلص منه وهو فيروس لم يستطيع شبابنا ان يحصنوا انفسهم منه ،، وبرغم تلك الدروس والعبر المؤلمة التي دفع الجنوبيين فيها أثمان باهظة التكلفة من الدماء والضياع بسبب التناحرات والصراعات التي كانت نتيجتها في المحصلة النهائية ضياع الوطن وتقديمه على طبق من ذهب لسلطة صنعاء إلا إن الجنوبيين مع الأسف لم يتعلموا منها .
لقد خلقت لنا هذه الصراعات والتناحرات أعباء وجروح وأوجدت إرث ثقيل تمثل في مدرسة وثقافة التأمر وإقصاء وإلغاء الأخر بل وتخوينه وتكفيره وخلقت هذه الثقافة والتجربة مخاوف حقيقية وأزمة ثقة داخل الفريق الواحد وبين كل فريق وأخر تجسدت كلها في الصراع على السلطة وجعلت الجنوبيين حبيسي هذه الثقافة رغم إقدام الجنوبيين على عملية التصالح والتسامح لدفن صراعات الماضي وانتقاد صراعاته إلا إن الشيء المخيف إن هذه المدرسة الخاطئة لم تنحصر على الجيل السابق بل تجدها مع الأسف في الجيل الجديد المتمثل في الشباب والذي كان يفترض ان يكون خالي من تلك الثقافة حيث صار بعض الشباب أكثر تشددا وتمترس لهذه الثقافة وبشكل مخيف وهنا المشكلة والخوف من المستقبل.
لم يتعظ الجنوبيون وبالذات من يدعون القيادة او من نصبوا أنفسهم قادة ويتعلموا من تجارب الماضي برغم كل ماجرى ورغم كل تلك الدروس كما اشرنا بل ان المرء يلاحظ وكأننا نعيد استنساخ الماضي من تجربة الجبهة القومية وجبهة التحرير ومن عملية إقصاء وإلغاء شرائح واسعة من المجتمع تحت يافطة الخلاف السياسي والمشاريع السياسية رغم التبدل والتغير الذي حصل وانتهاء مرحلة الحرب الباردة والأحزاب الشمولية وانفتاح العالم على الديمقراطية والتعددية السياسية والحريات وحقوق الإنسان الخ ،، لكن مع الأسف تجد أننا نرفع شعارات الديمقراطية والتعددية وقبول واحترام الأخر ونتغني بها قولا ونرفضها سلوكا وممارسة .
فلم تستطيع القيادات الجنوبية القديمة إن تتخلص من هذا الإرث ولم تستطيع كذلك القيادات الشابة كما اشرنا تحصين نفسها من هذا الداء وللأمانة كان لقيادات الخارج وبالذات مانطلق عليها القيادات التاريخية دورا سلبيا في انتشار هذا المرض بل لقد ظلت هذه القيادات مشدودة وحبيسة لخلافات الماضي ولم تتسامح مع بعضها البعض رغم تسامح شعبنا معها وتجديد ثقته بها مجددا والذي كان يعلق أمال عليها بأن تقوم بواجبها تجاه الجنوب لتساهم في إخراجه من هذا الوضع التي كانت هي سببا رئيسيا فيما نحن فيه اليوم ولم تبذل هذه القيادات جهود حقيقية لتوحيد جهودها وتوحيد الجنوبيين مع إننا لا ننكر الجهود والدور التي تقوم فيه في سبيل القضية الجنوبية والذي كان يمكن ان يكون أكثر فعالية وتأثير لو ارتقى للفكر وللعمل الجماعي الموحد الذي يوحد ويرص صفوف الجنوبيين خلفه.
الإشكالية الحقيقية ان الجنوبيين لم يستطيعوا ان ينتجوا او يوجدوا قيادة شابة بديلة ليس هذا فحسب بل لازالوا مشدودين ومربوطين خلف هذه القيادات المسماه بالتاريخية فلا الصف الثاني من قيادات الاشتراكي وكادر دولة الجنوب السابقة اوجد البديل ولا القوى الأخرى من سلاطين ورابطة وتحرير وأحزاب وقوى سياسية أخرى وتجار وغيرهم برزت قيادة بديلة قادرة ان تقود الجنوب وتفرض نفسها على الساحة والمشهد السياسي بل وتجد مع الأسف ان هذه القوى قد انقسمت وتمترست نفسها خلف هذه القيادات تحت مسميات جنوب عربي ويمن وقوى استقلال وفدراليين الخ ،،
إن الصراع الجنوبي بالأمس واليوم في جوهره وغالبيته صراع ذاتي يتمحور حول السلطة وان غلف تحت يافطات وشعارات وتسميات مختلفة تقدمي ورجعي ويسار ويمين ورجعي وطغمة وزمرة وبين فدراليين وقوى استغلال وأصحاب الجنوب العربي وأصحاب جمهورية اليمن ،، وقد لا يتفق معي البعض إن نوصف خلافات اليوم بهذا الوصف لكني اجزم أنهم سيتفقون معي غدا ،، كما يتفقون معي اليوم على توصيف ذلك على صراعات الماضي ولا يعني هذا أنها لا توجد قضايا وطنية تناضل الناس من اجلها وتختلف حولها أو انه لا يوجد أناس وطنيون ومخلصون يحبون الوطن ويناضلون من أجله واذا كان هناك من صراع حقيقي يستحق ان نخوضه هو بين أصحاب الخير ودعاة الشر ،، بين أناس مخلصين يريدون ان يعملون ويخدمون الوطن وبين من يريدون ان يوظفون الوطن والنضال والثورة لمصالحهم الخاصة ولا يوجد أي حزب او تنظيم او مكون خالي من المخلصين او خالي من المتمصلحين والمسترزقين .
إن الفرز المطلوب اليوم والصراع المطلوب ينبغي ان يكون بين فريقين ،، بين طلاب وطن ومناضلين يناضلون من أجل خدمة وطن والدفاع عنه وبين طلاب سلطة ومرتزقة يناضلون من اجل مصالحهم الخاصة ويسخرون الوطن والثورة لخدمة مصالحهم وكانوا ولازالوا سبباً لكل تلك الصراعات والإشكاليات التي يعاني منها الحراك الجنوبي يتمثل ذلك في عدم قدرته لإيجاد فرز واضح بين هذين الفريقين حتى يستطيع الحراك ان يطهر نفسه وان يشق طريقه قدما بقيادة ورؤية موحدة رغم انه بالإمكان فرز مثل هذه النوعيات من خلال تقيم ممارساتها وأفعالها وسلوكها وقياسها لمصلحة من ، وهل تخدم الجنوب ؟؟
واعتقد انه قد آن ألأوان إن يعطى للشباب المثقف المتعلم حقه في صنع مستقبله بنفسه وفي قيادة الجنوب وان واجب القيادات القديمة ان تساعد هولاء الشباب وان تكون لهم مرجعية وسند لا أن تكون كابح إمامهم وحجر عثرة ولذلك فان مهمة المؤتمر القادم هو إبراز قيادة شبابية جديدة تتحمل مسؤوليتها التاريخية في قيادة الجنوب نحو مستقبل أفضل .
لقد أن الاوان لطلاب الوطن ان يتوحدوا ،، وآن الاوان لشباب الجنوب أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية الكبيرة وليحملوا قضيتهم بجد ومصداقية وإخلاص ..
2011/9/17م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق