المقدمة:
كانت هناك عوامل للاندفاع الجنوبي للوحدة نستطيع أن نختصرها بعاملين أساسيين .
الأول : تأثير الفكر القومي والاشتراكي المنادي بالحرية والاستقلال وشعاراته المنادية بالوحدة العربية والأممية البروليتارية وكان لحركة القومية العرب وثورة مصر وعبد الناصر ولتنظيم البعث والماركسيين وللحركيين دور كبير في تسويق هذه الشعارات التي تبناها فيما بعد نظام الحكم في الجنوب بعد الاستقلال ذات النهج الاشتراكي وبالتالي فقد كان لتلك التربية والشعارات العاطفية التي تغنى بها الجنوبيين ردحا من الزمن دورا كبيرا في الاندفاع نحو الوحدة.
الثاني : هو فشل النظام الذي قام في الجنوب بعد الاستقلال ذات الطابع الشمولي الذي انفرد بالجنوب وأقصى معارضيه والقوى الأخرى وانتهج فكر لا يراعي خصائص وواقع الجنوب كشعب عربي مسلم والتي كان لاعتناق الفكر الماركسي المتعصب نتائج وخيمة في السياسة الإقليمية والدولية وفي كل تلك الصراعات الداخلية أكان مع القوى الجنوبية الأخرى أو في الأقطاب المتصارعة داخل الحزب الاشتراكي نفسه بل إن صراعاته الداخلية كانت أشدها وافتكها وكانت سبباً رئيسياً للارتماء في أحضان سلطة صنعاء دون حسابات وتقييم صحيح لواقع ونوايا سلطة صنعاء ولا أقول عدم استفتاء الشعب لان الشعب حينه لو استفتي لوافق على الوحدة حينها نتيجة لتلك الشعارات وللصراعات وللأحلام التي بني عليها الجنوبيين في حياة أفضل .
الخلاصة
إن الوحدة التي تمت بين الشمال والجنوب في عام 90م هي وحدة سلمية سياسية بين نظامي الحكم لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية قامة على أساس الشراكة والمواطنة المتساوية لتؤسس لنظام يتجاوز عيوب وسلبيات نظامي الحكم الجنوبي والشمالي إلا إن هذه الوحدة قد تم القضاء عليها واغتيالها في حرب 94م وان ماهو موجود اليوم ومنذ عام 94م على ارض الواقع الجنوبي ليس وحدة بل احتلال وعلى هذا المفهوم يجب أن يتحاور الجنوبيين والشماليين .
أولا : القضية الجنوبية النشأة :
برزت القضية الجنوبية نتيجة لفشل الوحدة ورفضاً لواقع وحدة الحرب المزعومة التي أقصت الجنوبيين وحولت الجنوب أرضاً وأنساناً إلى غنيمة حرب والى واقع احتلال بمعنى الكلمة عمد هذا النظام القمعي إلى ممارسة كل أشكال وأساليب القمع والبطش والتنكيل ودمر دولة الجنوب السابقة وتعمد وبشكل ممنهج طمس وإلغاء وتشويه كل ماله علاقة بتاريخ وهوية وثقافة الشعب الجنوبي ودولته المستقلة .
ثانيا : المراحل للقضية الجنوبية :
كانت البداية لتبني وإظهار القضية الجنوبية من خلال التيار المنادي بتصحيح مسار الوحدة ولعب الكثير من السياسيين والكتاب والصحفيين دور في التصدي لوحدة الضم والحرب ورفض لسياسة نظام صنعاء القائمة على تحويل الجنوب أرضاً وإنساناً الى غنيمة حرب وكان لصحيفة الأيام وناشريها وكتابها دوراً تنويرياً في استنهاض الشعب الجنوبي للدفاع عن حريتهم وهويتهم وتشكلت اللجان والهيئات التي تبنت القضية الجنوبية في الداخل وكذا كحركة موج وتاج في الخارج وكان لقيام جمعيات المتقاعدين العسكريين نقلة نوعية في الحركة الجنوبية التي كانت في بدايتها مطلبية ثم تصاعدت نتيجة لعنجهية وقمع سلطة صنعاء للمطالبة باستعادة دولة الجنوب السابقة وتوالت بعد ذلك تشكل الهيئات والفصائل المتعددة للحراك السلمي الجنوبي واستطاع الحراك الجنوبي السلمي بحركة الشعب السلمية فرض القضية الجنوبية كقضية شعب عادلة .
وهنا نستعرض المراحل التي مرت بها القضية الجنوبية.
المرحلة الأولى .... يمكن أن نسميها مرحلة الصدمة أو الهزيمة بعد حرب 94م واغتيال وفشل الوحدة ،، فقد أحبط الكثير من الساسة والمثقفين والعسكريين لكنه ظل محصورا بقوى معينة تضررت في دولة الجنوب السابقة وبالذات السياسيين والعسكريين ويمكن باختصار أن نقول على هذه المرحلة هي مرحلة الإحباط والانكسار لدى البعض ومرحلة الأحلام لدى البعض الأخر من الجنوبيين الذين خدعوا بنظام علي عبد الله صالح .
المرحلة الثانية ..... هي مرحلة بداية الصحوة وكسر حاجز الخوف التي تصدرت لها صحيفة الأيام وبعض الكتاب والمثقفين لتبني القضية الجنوبية وفضح ممارسات وخطط نظام صنعاء ولعبت هذه المرحلة دوراً تعبوياً في حشد الشارع الجنوبي وتوعيتهم بعدالة قضيتهم والتي كانت تجري في أطار المطالبة بإصلاح مسار الوحدة والمواطنة المتساوية وبناء دولة النظام والقانون وبناء وحدة قائمة على الشراكة .
المرحلة الثالثة ... تمثلت في تحويل القضية الجنوبية من مطلبية إلى سياسية تبنتها القوى الجنوبية في الخارج وفي الداخل ومثلت تلك المرحلة بما مثلته من عملية التصالح والتسامح والاصطفاف الجنوبي بداية حقيقية وضمانة أكيدة لانتصار القضية الجنوبية لو سار الحراك كما بدأ لكان اليوم القضية الجنوبية تهز أركان صنعاء في المحافل الدولية قاطبة فساهمت في اعتقادي تلك الاختراقات وتلك الخلافات وفشل القيادة السياسية في توحيد الجنوبيين وفي انتهاج سياسة وخطاب سياسي عقلاني لا يستفز ولا يعادي أحد أكان على صعيد الشارع الجنوبي أو الشمالي أو الخارج وكان لتلك السياسة المتمثلة في غياب العمل المؤسسي المنظم وغياب الرؤية وللخلافات والاختراقات كان لها كلها دورا كبيرا في أضعاف الحراك وتقهقره من المدن وفشلت قيادات الخارج من فتح قنوات في الخارج لتسويق القضية الجنوبية ومناصرتها كما فشل قيادات الحراك في الداخل في أن تحافظ على استقلالية قرارها وحشد الجنوبيين في الداخل خلف مشروع الاستقلال أو برنامج سياسي موحد الأمر الذي أدى إلى بروز أكثر من مشروع وتيار لمعالجة القضية الجنوبية وقسم الشارع معه واضعف الحراك .
الخلاصة مما تقدم :
- إن القضية الجنوبية هي قضية سياسية بامتياز وليست قضية حقوقية مطلبية أنما هي قضية شعب سلبت أرضه ودمرت دولته وطمس تاريخه وامتهنت حريته وكرامته وبالتالي فان الشرط الرئيسي للدخول في حوار هو الاعتراف فيها حتى يمكن الدخول في حوار حقيقي لحلها سلميا .
- إن الحراك الجنوبي السلمي هو الحامل الرئيسي للقضية الجنوبية بكل مكوناته وأطيافه وهو الإطار الواسع الذي يمثل ويتبنى القضية الجنوبية والذي جاء الحراك السلمي رفضا لواقع وحدة الحرب أو الوحدة والموت وقدم الحراك السلمي الجنوبي تضحيات غالية في سبيل إستعادة دولته وحريته وقدم الجنوبيين صورة حضارية رائعة كأول شعب في التاريخ المعاصر يتخذ من النضال السلمي وسيلة وأسلوباً لتحقيق أهدافه المتمثلة في استعادة دولته وحريته .
ثالثا : القضية الجنوبية الخيارات والحلول :
إن القضية الجنوبية كما أشرنا أعلاه هي قضية وطنية حقيقية أصيلة لشعب الجنوب التواق للحرية ولحياة حرة كريمة وهي قضية وجود وكيان لشعب الجنوب الذي تم إقصاءه وتحويله إلى شعب مستعبد ولذلك فان القضية الجنوبية لاتهم مكون أو حزب أو فصيل بذاته بقدر ما تهم شعب الجنوب كله وبالتالي فأننا بالقدر الذي نحترم مثل هذه الأطروحات والمعالجات ألا انه ينبغي أن تطرح كلها في أطار الحوار والتوافق الجنوبي الجنوبي وللشعب الجنوبي ليقول كلمته فيها دون فرضها على الأخر ودون مصادرة حق الشعب في تقرير مصيره حتى لا نقع ونكرر أخطاء الأمس في جر هذا الشعب إلى كوارث وفرض عليه واقع لا يريده ومصادرة حقه في تقرير مصيره..
وبرغم عدم أجماع الجنوبيين على رؤية موحدة وتعدد تلك الرؤى الا انه يمكن تلخيص أبرز تلك الخيارات المطروحة للقضية الجنوبية في خيارين رئيسيين .
الأول :... هو خيار فك الارتباط أو الانفصال الخ .. الذي أجاء ذلك نتيجة لتجربة المعاناة وفشل الوحدة ويهدف هذا الخيار في إستعادة الجنوبيين لدولتهم المستقلة أي العودة إلى ما قبل قيام الوحدة عام 90م وهذا الخيار يحضى بتأييد شعبي واسع ألا ان هذا المشروع يصطدم بالكثير من الصعوبات والعراقيل المتمثلة بدرجة رئيسة بعدم وجود توافق جنوبي والية واضحة لتحقيق هذا الهدف العظيم وينقسم هذا المشروع الى مشروعين محل خلاف مشروع المطالبة بالجنوب العربي ومشروع المطالبة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .
الخيار الأخر : هناك من يرى انه يمكن حل القضية الجنوبية في أطار الدولة اليمنية الموحدة بعد إسقاط النظام وقيام دولة النظام والقانون أكان من خلال الفدرالية أو أي شكل وصيغة أخرى ترضي الجنوبيين ويرى أصحاب مشروع الفدرالية أن المناخان الجديدة التي وفرتها ثورة الشباب التواقة للحرية والعدالة وبناء دولة المؤسسات قد خلقت إمكانيات جديدة لإعادة بناء الوحدة بعد إسقاط النظام من خلال نظام اتحادي بإقليمين كما أفصح عن ذلك حزب الرابطة رأي ولقاء القاهرة الذي تبني الفدرالية لحسابات ولقراءة لديهم لواقع الحراك وللخريطة الجنوبية وللوضع الإقليمي .
بينما يرى البعض الرافض لمشروع الفدرالية أن هذا المشروع لا يرتقي لتطلعات وتضحيات شعبنا ولا يضمن للجنوبيين حق الاستفتاء كما أن مثل هذه المشاريع هي رمي أوراق وتقديم تنازلات غير مطلوبة وغير مضمونة ومقبولة من الطرف الأخر لان مثل هذا المشروع سيكون عرضة للخصم والشطب والتعديل وسوف يعتبرها الطرف الشمالي سقفنا الأعلى ولذلك يتساءل البعض أذا كان مشروع فك الارتباط يصطدم بالعراقيل والفدرالية بصيغتها المقدمة غير مقبولة لماذا لم يطرح موضوع الكنفدرالية كحل ثالث مثلاً .
أن وجود مشروعين رئيسين في إطار قوى الحراك الجنوبي السلمي لا يعني أنه لا توجد هناك قوى أخرى لم تفصح عن مشاريعها وهي تحضى بثقل كبير تلك القوى الصامتة المراقبة للوضع وبالذات التيار الإسلامي ومن لازالوا يتمسكون بدولة الوحدة وممن لازالوا يشكلون جزء من النظام وتحديداً من أصحاب أبين وشبوة ممن حسبوا على الرئيس علي ناصر أصحاب يناير 86م وغيرهم من الجنوبيين الذين لازالوا في المؤتمر والإصلاح وبعض التجار وبعض الشباب الذي خرج يناصر ثورة شباب اليمن وغيرهم .
الحلول ..
لا توجد هناك حلول جاهزة لدى أي طرف ولا احد يستطيع أن يدعي صواب رؤيته أو تجهيل وتجاهل الأطراف الأخرى وعلينا جميعا أن نقر ونستوعب جيدا أن لا احد وصي على الجنوب أو يمتلك تفويض من شعب الجنوب وان أي رؤى يجب أن تحترم وتطرح للحوار الجنوبي الجنوبي للتوافق حولها والخروج برؤية موحدة .
فتجارب الجنوبيين السابقة المريرة والمكلفة كما اشرنا تجعلنا جمعياً كجنوبيين أن نتريث وان نتوقف كثيراً من الاندفاع نحو أيّاً من المشاريع دون التمعن والدراسة المستفيضة لكل الخيارات المطروحة بعقل وتروي دون تعصب أو تمترس لايّاً منهما ودون عاطفة وتسرع ودون وصاية أو فرض أو إلغاء أو تخوين وتكفير لبعضنا البعض وعلينا أن نقر أن شعب الجنوب هو صاحب القرار وليس أي حزب أو مكون وهو مصدر الشرعية وفوق مشاريع الأحزاب والمكونات وهو صاحب كلمة الفصل أولاً وأخيراً وعلينا أن نستوعب هذا جيداً .
إن المطلوب اليوم هو في أيجاد حلول تكمن في أخراج الجنوبيين من الوضع القائم إلى وضع أفضل مما هم عليه والذي لا يمكن أن يتحقق ذلك دون ترتيب البيت الجنوبي المتمثل في وحدة وتماسك الجنوبيين هذه الوحدة التي لا يمكن أن تتحقق دون قبول الجنوبيين لبعضهم البعض وبدون الجلوس على طاولة الحوار الجنوبي وطرح مختلف المشاريع والرؤى قبل أن تسوق أي مشاريع أو تطرح للحوار مع أخواننا الشماليين بحيث نخرج برؤية موحدة ونذهب للحوار مع الشماليين ونحن نحمل مشروع واحد موحدين حوله .
ولذلك فان الحل يكمن ،،، أما ان يتوافق الجنوبيين بمختلف نخبهم وتياراتهم السياسية على رؤية موحدة يتبناها ويدافع عنها الجميع ويناضل من اجل تحقيقها ،، وأما ان يطرح الأمر لاستفتاء شعب الجنوب ليقرر مصيره بنفسه في البقاء بالوحدة أو عودتهم كدولة مستقلة .
ولذلك فقد بات من المهم اليوم الدعوة لعقد مؤتمر جنوبي عاجل لا يستثني احد يقف بمسؤولية إمام هذه التحديات لترتيب البيت الجنوبي والخروج برؤية توافقية تحقق تطلعات وطموحات شعبنا التواق للحرية والسيادة على أرضه .
الخلاصة :
ان التحديات الراهنة تتطلب من الجنوبيين الاتفاق على مبادئ عامة للعمل المشترك ولتأمين المستقبل والتي يتطلب من المؤتمر الجنوبي إضافة إلى الخروج برؤية موحدة هو إقرار المبادئ العامة للتوافق الجنوبي التي ينبغي ان يتمسك فيها كل الجنوبيين اليوم وغداً ومن أهمها :
- إن يتمسك الجنوبيين بأسلوب النضال السلمي الحضاري كسلاح فاعل في تحقيق المطالب والأهداف المشروعة القريبة والبعيدة وهو بالإضافة إلى انه سلاح حضاري فانه قد اوجد ثقافة جديدة ترفض اللجوء إلى العنف والاحتكام للسلاح وتؤسس لمستقبل أمن وأفضل لذلك فان النضال السلمي سيظل خياراً للجنوب في نضالهم أكان اليوم أو في المستقبل .
- الإقرار بان الجنوب ملك لكل أبنائه بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية وعلينا جميعا الإقرار واستيعاب هذا التنوع وقبوله والتعامل والتعايش معه من خلال الشراكة ورفض سياسة وعقلية إلغاء وتخوين الأخر والتفرد والوصاية اخذين بعين الاعتبار تجارب الماضي المريرة وبالتالي فان حل القضية الجنوبية تتطلب تفهم واستيعاب هذا التنوع في الرؤى لحلها بمشاركة وإشراك الجميع .
- تعميق ونشر ثقافة التصالح والتسامح وتعزيز القيم النبيلة لديننا الحنيف ورفض التطرف والعنف والإرهاب بكل أشكاله وتغليب المصالح الوطنية على المصالح والنزعات الذاتية.
- أن تظل أبواب الحوار مفتوحة بين الجنوبيين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية بأن نؤجل القضايا الخلافية بما فيه اليمن والجنوب العربي إلى بعد حل القضية الجنوبية لان المهم ألان هو الأرض فنناضل من اجل استعادة أرضنا وليترك مثل هذا الأمر لقرار الشعب لاحقاً .
- أن نقر أن لا احد وصي أو ممثل للجنوب ألا بمقدار حجمه الذي تحدده صناديق الاقتراع أكان في الانتخابات أو في الاستفتاء وقرارات الأغلبية في الهيئات المنتخبة ولا يحق لأحد أن يقرر باسم الشعب دون استفتاءه أو دون تفويض منه من خلال ممثليه الذين انتخبهم .
- إن نضال الجنوبيين يهدف إلى بناء دولة المؤسسات المدنية دولة النظام والقانون التي تؤمن وتحقق للجنوبيين طموحاتهم في الحياة الحرة الكريمة وتوفر لهم العدالة والمساواة في مجتمع أمن مستقر .
- التمسك بقيم ديننا الحنيف وبأخلاقنا العربية والإسلامية الأصيلة ونبذ التعصب الطائفي والمناطقي والحزبي ومحاربة التطرف بكل أشكاله وانواعه .
- التمسك بالديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وضمان وحماية حقوق الناس والحريات وتجريم استخدام أجهزة الدولة العسكرية والمدنية والمال العام لصالح أي حزب في الساحة .
انتهــــــــــــــــــــــــــــــــــاء 11/6/2011م